بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى هل هناك شخصيات لا تحتاج سوي الي العرض الجيد ، وأخري لابد من تجسيدها؟ و ما هو الفرق بين عرض الممثل للشخصية الدرامية وبين تجسيده لها؟ يشمل فن التمثيل فيما أري ، في معناه المتداول والمتعارف عليه ، شكلين أساسيين :
- شكل العرض للشخصية الدرامية.
- وشكل تجسيد هذه الشخصية.
وجهة نظر العارض
العرض في اللغة العربية يعني الإظهار ، عرض الشئ : أظهره وابرزه. وهو معني يتضمن وجهة نظر العارض. ( حتي في عرض البضائع في المحلات او في الإعلانات ، فهي يتم عرضها بشكل جذاب يحمل وجهة نظر العارض ومحاولته إبراز الجوانب الإيجابية حتي وإن كانت غير حقيقة ، لجذب المشتري ). فالعرض اذن لا يكون موضوعيا في معظم الاحيان.
ينطبق هذا فيما أري في عرض الممثل للشخصية الدرامية وهو ما يبدو فيما يلي :
الكوميديا ( عدا ما يعرف بالكوميديا السوداء ) ويتضمن العرض فيها ، وجهة نظر نقدية ساخرة من الشخصية الدرامية ، قائمة علي المبالغة. خاصة في كوميديا ( الفارس ) كما في رسوم الكاريكاتور ، فالممثل في الكوميديا يعرض الشخصية ولا يجسدها او يتوحد معها .
التمثيل البريختي
كما تصوره بريخت ، ويتضمن العرض فيه وجهة نظر إيديولوجية ، فالممثل هنا يعرض الشخصية وهو يحمل وجهة نظر نقديه تجاه انتماءها الطبقي. ولا يجب أن يتوحد معها ( وهو تصور لم ينجح حتي في محاولات بريخت نفسه ) الشخصيات الدرامية البسيطة التي لا تستلزم التجسيد. والمقصود هنا الشخصيات النمطية ، وهي في الغالب تحمل وجهة نظر مكررة تحدد الشكل والأداء ، كما في شخصيات : وكيل النيابة او الضابط او الشرير أحيانا ، وحتي مساعد البطل او السنيد كما يسمي أحيانا ، وغير ذلك كثير. هناك الممثل الذي يعرض ذاته في جميع الشخصيات التي يؤديها ، وهو ممثل يمثل نفسه في النهاية ، ومنهم علي سبيل المثال عادل إمام وعبله كامل وغيرهما.
في اللغة العربية نجد معني الفعل
العرض إذن يقدم وجهة نظر العارض( الممثل ) لا المعروض ( الشخصية الدرامية ). في اللغة العربية نجد معني الفعل ( تجسد ) محددا في صار ذا جسد. وهو ما يعني أنه لم يكن مجسدا من قبل ، وهو ما ينطبق علي الشخصية الدرامية كتصور ذهني غير مجسد في البداية. وتجسيد الشخصية الدرامية او بمعني آخر التوحد معها ، لا يكون إلا في الشخصيات المركبة ، كتلك التي تتضمن صراعا داخليا مثلا ، او تمر بمراحل متناقضة او تحولات حادة. وهنا يكون التجسيد اما خارجيا فقط ، وهو ما تتبعه مدرسة الحرفية او ما تعرف بالمدرسة البرانية.
مدرسة الاندماج او المعايشة
تجسيدا داخليا وخارجيا معا ، وهو ما تتبعه مدرسة الاندماج او المعايشة او ما يعرف بالمدرسة الجوانية. والتجسيد سواء كان هذا او ذاك لا يسعي لفرض وجهة نظر ما علي الشخصية الدرامية بل يحاول أن يكتشف ويجسد وجهة نظرها هي. بشكل أقرب ما يكون إلي الموضوعية ، ولا يتعارض هذا مع الاختلافات المحتملة في تفسيرها. ولذا يستدعي التجسيد دراسة الشخصية من كافة جوانبها ، تاريخها وسماتها النفسية والجسمية وانتمائها الطبقي ودوافعها وغير ذلك ، خاصة إذا كان هذا التجسيد داخليا وخارجيا. التجسيد إذن يقدم وجهة نظر المتجسد ( الشخصية الدرامية ) لا من يقوم بالتجسيد ( الممثل ) ولا يتعارض هذا مع احتمالات الاختلاف في تحديد وجهة النظر هذه من ممثل لآخر ، كما سبق القول. ما بين العرض والتجسيد يقف الممثل إمام الشخصية الدرامية حائرا ، إلا أنها في النهاية تفرض عليه اما هذا او ذاك ، أو يفرض هو عليها ما يراه.
بقلم الاستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى