أخر الاخبار

ما هو دور الأذن في عملية التمثيل؟

لماذا يقال إن التمثيل الجيد ، ليس هو أن تتكلم فقط وإنما الأهم هو أن تسمع ، أو بمعني ادق ان تصغي ؟ إذاً ما هو دور الأذن في عملية التمثيل؟ و في عملية الادراك هي استقبال المؤثرات الصوتية الواردة من العالم الخارجي وإرسالها عن طريق العصب السمعي في شكل إشارات عصبية إلي المخ ليقوم بترجمتها إلي معاني محددة. وهي عملية فائقة التعقيد . ويلاحظ أن الأذن تتعامل مع الزمن ، في حين تتعامل العين مع المكان. فما نسمعه يتطلب زمنا ، وما نراه يتطلب مكانا ، إن نشاط الأذن هو نشاط دائم في الحياة اليومية ولا يتوقف إلا في حالة النوم.

ما هو دور الأذن في عملية التمثيل؟
دور الأذن في عملية التمثيل

ولكنه يختلف في حالتين : –

  • حالة الفعل ( يسمع )
  • حالة الفعل ( يصغي )

ففي حالة السمع تقوم الأذن بنقل المؤثرات الصوتية إلي المخ ولكنه لا يبدي اهتماما او انتباها حقيقيا لها ، فليست هناك قصدية محددة ، وهي الحالة السائدة في معظم أوقات الحياة اليومية. اما في حالة الإصغاء فالمخ هنا يبدي الكثير من الاهتمام والانتباه لما يرد اليه ، مع قصدية واضحة لفهم ما يعني ذلك. وهي حالة ليست دائمة وتحدث أحيانا في الحياة اليومية ، في حالة السمع يهمل المخ ترجمة ما تعنيه هذه الأصوات ، ولا يعطي لها الاهتمام اللازم توفيرا للطاقة. هو يستقبلها فقط ثم يقرر بسرعة أنها غير ذات أهمية ويضعها جانبا ، أما في حالة الإصغاء فإن نشاط المخ يزداد فيبدأ في محاولة تفسير هذه الإشارات وترجمتها إلي معاني محددة. وكذلك توقع ما هو آت منها ، ثم عرض البدائل المختلفة لرد الفعل المناسب والممكن ، إن المخ هنا يفكر ثم يتخذ القرار ثم يصدر الأمر بالتنفيذ . هي عملية غاية في التعقيد وتحدث في جزء من مائة جزء من الثانية الواحدة .


العلاقة بين نشاط المخ وحركة العين

هناك بعض الأبحاث العلمية الحديثة تدور حول العلاقة بين نشاط المخ وحركة العين ، فمثلا حركة العين إلي منتصف اقصي اليمين ( يمين ويسار المشاهد ). تدل علي نشاط الذاكرة السمعية في المخ ، وحركة العين إلي منتصف اقصي اليسار تدل علي نشاط المخ الخاص بالابتكار السمعي. أما حركة العين لأسفل اقصي اليمين فتدل علي الحوار السمعي الداخلي ، ولاسفل أقص اليسار تدل علي إثارة مشاعر ما او اتخاذ قرار يحمل طابع شعوري . معني هذا وهو هام هنا ان حالة الإصغاء لا السمع هي ما تظهر في حركة العين.

وبعد الاعتذار عن هذه المقدمة المطولة. والتي لابد منها في الحقيقة ، ننتقل إلي موضوعنا الأساسي : ان دور الأذن في عملية التمثيل يبدو أكثر تعقيدا مما سبق ، وذلك بسبب ما يسمي بفارق المعلومات بين الممثل والشخصية الدرامية. وهي احدي المشاكل الأساسية في التمثيل بشكل عام . إن الممثل يعرف مسبقا ما سيقال له من قبل الممثل الآخر. في حين أن الشخصية لا تعرف ، وعلي ذلك يمكن القول أن الممثل ( يسمع ) لأنه يعرف ما سيقال له وبالتالي ليس هناك نشاط واضح في المخ ينعكس علي حركة العين. وأن الشخصية ( تصغي ) لأنها لا تعرف ما سيقال لها وبالتالي هناك نشاط واضح في المخ ينعكس علي حركة العين.

ولحل هذه المعضلة يلجأ معظم الممثلين إلي اصطناع حركة في العينين تدل علي التفكير بشكل عام مع تجهيز مسبق لمجموعة من ردود الأفعال واطلاقها في أماكن محددة سلفا. هو يصطنع التفكير فيما يقال له ثم ينتظر أن يسمع كلمة محددة ليقوم بعمل رد الفعل المناسب والمجهز سابقا. إلا أن هذا لا ينطلي علي المشاهد بالطبع ، فهو يدرك أن هذا الممثل يسمع ولا يصغي حقيقة ، ولذا هو يمثل دوره منفردا ، ولا توجد علاقة حقيقية بينه وبين الممثل الاخر. ان حالة الإصغاء هذه تبدو واضحة في حالة الارتجال ، فالممثلون لا يعرفون هنا ما سيقوله الآخر بالضبط. ولذا هم في حالة إصغاء دائم بعضهم لبعض ، ولهذا يبدو الارتجال ذا جاذبية خاصة وحالة نموذجية يطمح اليها أي تمثيل.


ما هو الحل إذن؟

ان الحل الأوحد فيما أري هو ان يحاول الممثل جاهدا أن ينسي او يتناسي ما يعرفه مسبقا من أقوال وأفعال الممثل الآخر. وأن يتبني فقط ما تعرفه الشخصية التي يؤديها حتي يحقق حالة الإصغاء هذه ، هذا بالطبع ليس بالأمر اليسير ، ولكنه يتحقق بالفعل في التمثيل الجيد. عليه ان يبدي اهتماما حقيقيا وانتباها واضحا لما يقوله الممثل الآخر ، كأنه حقيقة يصغي لما يقال له لأول مرة ، هو يحقق بذلك حالة الإصغاء وبالتالي يبدو نشاط المخ واضحا وحقيقيا في عينيه.

إن مفهوم دائرة التركيز فيما يحدث ( هنا والان ) هو أحد الحلول الناجحة لهذه المشكلة . عندما يقال ان هناك ( كيميا ) معينة بين مجموعة من الممثلين. فهذا يعني في الحقيقة ان كل منهم يصغي بالفعل لما يقوله الآخر ، إن كل منهم ينطلق في أدائه من الاخر ، هم يمثلون معا وليس بشكل منفرد. لقد عبر ستانسلافسكي عن حالة الإصغاء هذه باستخدام مصطلح المشاركة ، وهي بالطبع الحالة النموذجية للتمثيل الذي يعتمد علي دور الأذن.

سنتحدث قريباً عن ما هو تحديدا دور ( الفم ) في عملية التمثيل ؟

بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-