ان دور الأذن هو الإستقبال ، استقبال الأصوات والكلمات ، أما ما هو تحديدا دور ( الفم ) في عملية التمثيل؟ فهو الإرسال ، إرسال الأصوات والكلمات ، إلا أن دور الفم لا يقتصر علي هذا فقط ، فله أيضا دور مرئي. فالفم يبتسم تعبيرا عن السعادة ، وينفتح تعبيرا عن الدهشة ، وتزم الشفتين تعبيرا عن كتم الغيظ وغير ذلك ، وقد ينفرد الفم بهذه التعبيرات في اللقطات الصامتة ، أو تصاحب إرساله للأصوات والكلمات.
دور ( الفم ) في عملية التمثيل |
إنتاج الكلام او بمعني ادق إنتاج الألفاظ
ان دور الفم الأساسي إذن هو إنتاج الكلام او بمعني ادق إنتاج الألفاظ ، إلا أن الفم هو في الحقيقة ، آخر مرحلة في عملية الإنتاج هذه ، ولفهم هذا الدور سنحاول شرح عملية إنتاج الكلام في الحياة من بدايتها. تبدأ عملية إنتاج الكلام في المخ اولا ، وهي عملية تتطلب التنسيق الدقيق بين العديد من مناطق المخ ، لن نذكر بعضها تيسيرا وتسهيلا للفهم. وهو أمر غاية في التعقيد ولازلنا لا نعرف عنه الكثير ، خاصة وهو يحدث بسرعة فائقة لا تتجاوز أجزاء معدودة من الف جزء من الثانية الواحدة.
اولا : تبدأ هذه العملية عبر منطقة ( فيرنيك )
نسبة إلي كارل فيرنيك طبيب الأعصاب الالماني ، وتوجد في القسم الخلفي من الفص الصدغي بالمخ ، وفيها يتم اولا إستقبال الكلام الوارد. سواء كان بصريا بالقراءة او سمعيا ، وفهم معناه ، ثم وضع تصور للمعني اللغوي لما نود أن نرد به وايضا تصور للشعور المناسب لهذا الرد.
ثانيا : عبر منطقة بروكا
نسبة إلي الطبيب الفرنسي بيير بول بروكا ، وتوجد في الفص الأمامي في أحد جانبي المخ وغالبا ما تكون في الجانب الأيسر.
وفيها يتم إيجاد الكلمات والجمل المناسبة للمعني السابق من الحصيلة اللغوية للشخص ، وترتيب هذه الكلمات بشكل يمكن فهمه وربطها بحروف الجر وأدوات التعريف والعطف. ثم الدفع بها للخروج عبر القشرة الحركية بالتنسيق مع أعضاء النطق لإخراج هذه الكلمات. فهذه المنطقة ترتبط بالمناطق المسئولة عن التحكم في حركة الجسم وعضلات الوجه والفكين واللسان والشفتين والحنجرة وكذلك مراكز الانفعال. هي إذن المنطقة المنوط بها صياغة الكلام المناسب وكذلك إصدار أمر تنفيذه بالمشاعر المحددة. تعمل هاتين المنطقتين معا حيث تتعامل الأولي مع الكلام الوارد ، بينما تتعامل الثانية مع الكلام الصادر.
كيف يتم التنفيذ ؟
يبدأ التنفيذ اولا بخروج الهواء من الرئتين ثم مروره بالحنجرة ، وفيها يتحول الهواء إلي أصوات منضبطة الحجم والحدة. فالحنجرة هنا تتسبب في توليد أصوات ذات تردد أساسي معين وذات حدة معينة وذلك عن طريق اهتزاز وتوتر الاحبال الصوتية أثناء مرور الهواء عليها. ثم تخضع هذه الأصوات للتغير أثناء مرورها بالفم ، وذلك تبعا لوضعية اللسان والشفتين والاسنان وكذلك فتحة الحلق وسقف الحلق. تخلق هذه الوضعيات المختلفة ألفاظ الكلام ، وذلك باحتجاز الصوت بشكل محدد ، بما فيها الأحرف الساكنة واحرف العلة. هذا ما يتم في عملية إنتاج الكلام في الحياة ، والسؤال الآن هو كيف يتم ذلك في عملية التمثيل ؟
من الواضح أن المسألة هنا تختلف اختلافا كبيرا ، فالممثل هنا يعرف ما سيقال له ويعرف كذلك ما سيقوله ، وبالتالي لا عمل حقيقي لمنطقة ( فيرنيك). حيث إن الكلام الوارد اليها معروف مسبقا وكذلك التصور للمعني اللغوي لما نود الرد به واخيرا التصور للشعور المناسب لهذا الرد ، كل هذا معروف مسبقا. كذلك لا عمل حقيقي ( لمنطقة بروكا ) حيث أن الكلمات والجمل هنا معروفة بل محفوظة مسبقا ، يبقي فقط لهذه المنطقة في التمثيل اصدار أمر تنفيذ عملية الكلام ، مع المشاعر المناسبة والمصاحبة لها. هنا تبدو بوضوح احدي مفارقات التمثيل الأساسية ، وهي مفارقة فارق المعلومات بين ما يعرفه الممثل وما تعرفه الشخصية الدرامية. فالممثل هنا يعرف ما سيقال له وكذلك يعرف جيدا ما سيقوله هو ، مع المشاعر المناسبة ، علي حين أن الشخصية لا تعرف لا هذا ولا ذاك.
رغم ذلك لابد وان يبدو الأمر وكأنه غير معروف مسبقا ، أي أن تبدو المنطقتين السابقتين في المخ وكأنهما تعملان بالفعل ، ولكي يحدث ذلك علي الممثل ان يتناسي تماما ما يعرفه هو كممثل وان يتبني ما تعرفه الشخصية الدرامية. وهو أمر ليس سهلا ولكن يمكن تحقيقه بمفهوم ( دائرة التركيز هنا والآن ) فما يعرفه الممثل ينتمي للماضي وايضا لمكان آخر ، علي حين أن ما تعرفه الشخصية ينتمي للحاضر ولمكان الحدث الدرامي ، أي هنا والآن. يستطيع الممثل الماهر إذن تحقيق ذلك بأن يرسم حوله دائرة وهمية ويجعل كل قدرته علي التركيز تنحصر داخلها ، اي داخل هنا والان ، وبذلك يجعل منطقتي ( فيرنيك وبروكا ) تعملان بالفعل ، او علي الاقل يبدو أنهما تعملان.
الكلام في الحياة وانتاجه في التمثيل
واخيرا لابد من ذكر فارق هام بين إنتاج الكلام في الحياة وانتاجه في التمثيل ، ففي الحياة ، الكلام قابل دائما للتكرار والإعادة إن لم يسمع جيدا. ونحن نعتمد في الحياة كثيرا علي هذه القابلية ، فيصبح كلامنا غير واضح او مضغم في معظم الأحيان ، كما أن معظم ما نقوله لا أهمية له. اما في التمثيل فالكلام يقال لمرة واحدة فقط وليسمع أيضا لمرة واحدة فقط ، فهو غير قابل للتكرار أو للإعادة ، كما يفترض انه علي قدر كبير من الاهمية.
وعلي ذلك يحتاج الكلام في التمثيل إلي درجة أعلي من وضوح الألفاظ عما هو في الحياة ( ويبدو ان هذا هو آفة الكثير من الممثلين في مصر الآن. فأنا شخصيا يصعب علي سماع وفهم ما يقولون ) ويمكن تحقيق هذه الدرجة من الوضوح عن طريق التدريب علي مخارج الألفاظ او ما يعرف بالفونتكس. وهو أمر هام لأي ممثل سواء أكان محترفا او هاويا في بداية طريق التمثيل الصعب والشائك .. !!!
اضغط هنا للتعرف عن ما هو دور الأذن في عملية التمثيل؟
بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى