أخر الاخبار

ما هي طبيعة العلاقة المفترضة بين الممثل والمخرج؟

لاشك في أن العلاقة بين الممثل والمخرج هي علاقة شائكة ومعقدة فيما اري ، اذاً ما هي طبيعة العلاقة المفترضة بين الممثل والمخرج؟

فقد تكون علاقة انسجام وتوافق أحيانا ، وقد تكون صراع وتنافس خفي في أحيان اخري. من المعروف تاريخيا ان الممثل.

هو من أخترع المخرج ، فالممثل سابق زمنيا علي ظهور المخرج ، والمرجح أن السبب في ذلك هو حاجة الممثل إلي من يراه ويحكم علي عمله.

فهو لا يستطيع للأسف أن يري نفسه أثناء تمثيله .. ثم حدث أن صادر المخرج الأمر لحسابه الشخصي فيما بعد.

يحتاج الممثل من المخرج إلي التوجيه والإرشاد ، وهو أمر ليس سهلا ويتطلب درجة من الوعي بطبيعة عمل الممثل وخبرة نفسية وإنسانية عامة.

ولذا فهو مادة للدراسة في معاهد السينما في العالم. ( للاسف معظم مخرجينا الآن لا يجيدون ،

ولا أقول لا يعرفون ، معني واهمية توجيه الممثل ، حتي اصبح التمثيل مسئولية كل ممثل ). سوف أحاول الآن رصد الأشكال المختلفة لهذه العلاقة عن طريق 

ما هي طبيعة العلاقة المفترضة بين الممثل والمخرج؟

عرض بعض أقوال الممثلين والمخرجين الكبار

يقول أنتوني كوين : ” في السينما ، المخرج هو جمهورك ، لن تشعر بأنك أنجزت مهمتك بشكل جيد إلا إذا تيقنت بأنه سعيد بأدائك “

وتقول ليف اولمان : ” الثقة مهمة في العمل السينمائي ، الممثل الذي يشعر بالثقة والأمان والاطمئنان مع المخرج ، الذي بدوره يثق بالممثل ، سوف ينجز علي نحو أفضل مما لو كان يفتقد هذه العلاقة “

ويقول دي نيرو : ” المخرج الجيد هو الذي لا يفرض رأيه وتصوراته ، بل يصغي إليك إذا خطرت في ذهنك فكرة جديدة.

المخرجون أحيانا يشعرون بالخوف ، أو يخشون الانفتاح علي الممثلين ، أو يعتقدون بأنهم وحدهم يعرفون كل شئ “

ويقول أيضا: ” بعض المخرجين يعرفون القليل عن التمثيل ، ربما يمتلك المخرج قدرات جيدة ومعرفة تقنية في كيفية تحقيق الفيلم ، لكنه لا يفهم الممثلين ولا يحسن التعامل معهم “

ويقول كذلك : ” أسوأ ما في المخرج حين يخبرك كيف تنفذ مشهدا ما … “

هنري فوندا : ” قله من المخرجين في السينما قادرون علي تحقيق إتصال حقيقي بالممثل … “

وايضا ” لقد كرهت العمل مع المخرج فريتز لانج .. إنه فنان مبدع حقا لكنه لا يحترم الممثلين ولا يخطر بباله أن الممثلين كائنات بشرية ذات عواطف وأحاسيس … إنه بارع في تحريك الدمي … “

أنتوني هوبكنز : ” لا أستطيع أن أعمل في جو يسوده التوتر ، إنه كابوس ، إذا بدأ المخرج في الاهتياج والتوبيخ العنيف فإنني ببساطة أطلب منه أن يبحث عن ممثل آخر، لا احب ان أعمل مع أشخاص يتعاملون بقسوة معي او مع غيري “

نور الشريف : حكي لي نور الشريف رحمة الله عليه ، إنه كان علي خلاف حاد مع يوسف شاهين ، رحمة الله عليه أيضا ، أثناء تصوير فيلم حدوته مصرية.

فقد كان شاهين يريد منه أن يؤدي الدور بطريقته هو ، وهو ما يقع فيه أغلب الممثلين المتعاملين مع شاهين.

فمعظمهم يصبحون في النهاية نسخ مكررة منه ، ولكن كان الموقف هنا مختلف ، فالشخصية هي شخصية شاهين نفسه وكان من السهل علي نور ان يقلده.

وهو ما كان يريده شاهين تقريبا ، ولكن ما كان يهم نور هو الوصول الي روح الشخصية.

وهي موجودة امامه من لحم ودم ، وهو بالطبع أكثر صعوبة ولكنه أكثر عمقا ، وبعد صراعات ونقاشات طويله ، استطاع نور كما قال لي : الإفلات من قيود شاهين وتقديم الشخصية كما يريد.

احمد زكي : حكي لي احمد زكي ، رحمة الله عليه ، أنه كان علي خلاف دائم مع محمد خان رحمه الله ، وأنه كان يحس أحيانا أن خان : يكره الممثلين .. !!

محمود المليجي : سمعت ورأيت العملاق المليجي رحمه الله رحمة واسعة ، في أحد البرامج القديمة ، يشكو من أن بعض المخرجين.

لا يقومون بالجهد الكافي في توجيه الممثل ومساعدته في تقديم افضل ما لديه. تري ماذا كان موقفه الان ، لو تعامل مع معظم مخرجي ايامنا هذه .. !!! و من أقوال المخرجين :

يقول المخرج وليام وايلر : ” اني لا أفصح عما أريد من الممثل لأني لا احب أن يتأثر بما أقوله ، إني أتيح له فرصة استخدام كل إمكانياته كي لا يعتمد علي.

فأنا لا أستطيع تأدية المشهد نيابة عنه بل عليه أن يحس به ويؤديه “

ليندسي أندرسون : ” العمل مع الممثلين عبارة عن علاقة حميمة وحساسة في الوقت نفسه … اني لا أحاول أن افرض أفكاري علي الممثلين بل أحاول أن أحصل علي النتيجة النهائية بالتعاون معهم “

ستانلي كوبريك : ” بمعرفة المخرج لشخصية الممثل ، وتقديره لنقاط قوته ومواطن ضعفه ، يستطيع أن يساعده في التغلب علي معضلات معينة ، وفي أدراك امكانياته وقدراته . “

أورسون ويلز : ” إني امنح الممثلين مقدارا كبيرا من الحرية … لكن طريقتهم في الأداء تنبع مباشرة من تصوراتهم الخاصة ومن تصوراتي الخاصة أيضا بالدرجة نفسها . “

علي خلاف ذلك تماما نجد هيتشكوك : يدلي بتصريحات عن الممثلين واصفا إياهم بالقطيع .. لقد كتبوا الكثير عن علاقته بالممثلين وكيف أنه يستخدمهم كأدوات في افلامة.

جون فورد : ” هو لا يجري بروفات ولا يتحدث أبدا عن الأدوار ، إذا شرع الممثل في طرح سؤال حول المشهد ، فإن فورد كان يمزق أوراق السيناريو التي تحتوي علي ذلك المشهد ، أو يهين الممثل بطريقة شنيعة “

أما بولانسكي المخرج الشهير فيقول : ” .. لا أميل إلي الاقتراب كثيرا من الممثلين ، أو أن أكون ودودا معهم أكثر من اللازم ، دائما أحافظ علي مسافة بيننا ، أن أكون بعيدا عنهم … “

يوسف شاهين : قال لي الأستاذ كما كان معظم من حوله ينادونه ، وكانت بيننا نقاشات طويلة ، أنه يحب الممثلين كثيرا ، ويحب التعامل معهم وتوجيههم.

ومحاولة الغوص في اعماقهم ، حتي يظهر أفضل ما فيهم ، والحق انه كان كمنتج وكمخرج من أفضل ما رأيت اهتماما بالممثلين ورعاية لهم أثناء البروفات والتصوير.

والغريب أنه لم يعلق عندما قلت له ذات مره : انت ممثل ضل طريقة إلي الإخراج ، وضحك حين اضفت :

وهذا من حسن حظنا بالطبع. وقال : تقصد ايه يا حمار ؟ المصدر كتاب ( الوجه والظل في التمثيل السينمائي ) لأمين صالح.


كيف يستطيع الممثل ان يستوعب الفارق بين تصوره عن نفسه وتصور الآخرين عنه ؟

بشكل عام لابد من التساؤل اولا عن ما هو معيار الإنسان في تقييم ذاته او تصوره عن نفسه ؟ لا شك اننا نسعي جميعا إلي محاولة تقييم ذواتنا ، وهناك ثلاثة مصادر ممكنة لهذا المعيار.

الأول : وهو ان يعتمد الشخص علي تصوره الإيجابي عن نفسه ، بشكل شبه كامل ، ولا يعير تصور الآخرين عنه أي اهتمام ، بل يعتقد أن أي تصور سلبي عنه من قبل الآخر ، هو نتيجة حقد او غيرة ، هذا الشخص مصاب بالغرور او بجنون العظمة ،

وبالتالي الحكم ليس علي ما يقال ، سلبا او إيجابا ، وإنما أيضا علي من يقول ولماذا يقول. هذا هو التصور شبه الموضوعي عن الذات ، وهو ما يصعب تحقيقه بالفعل.


الأمر يصبح أكثر تعقيداً

إن ما سبق ينطبق بالطبع علي الممثل بكونه انسانا ، أما بكونه ممثلا ، فالأمر يصبح أكثر تعقيداً.

إن أحد مشكلات الممثل الرئيسية هي أنه المبدع وخامة الإبداع في نفس الوقت ، هو العازف والآلة معا ، وبالتالي هو لا يستطيع أن يري نتيجة عمله أثناء تنفيذه.

هو يفتقد تلك الخطوة للخلف التي يقوم بها الرسام لتأمل لوحته ، صحيح أنه قد يشاهد عمله مسجلا بعد تنفيذه ولكنه للأسف لا يستطيع الحكم عليه بشكل موضوعي.

فهو دائما يعتقد أنه كان بإمكانه ان يقوم به علي نحو أفضل ، كما أن البعض لا يرغب ولا يحب أن يشاهد نفسه اصلا.

هو قد يثق في إحساسه الداخلي ، ولكنه غير كافي لأنه لا يستطيع أن يري الصورة الخارجية له ، أو كيف يبدو ، فقد تكون الصورة الخارجية غير موصلة او معبرة بشكل جيد عما هو بالداخل.

الممثل إذن يحتاج دائما إلي شخص أخر يفترض أمانته ، للحكم علي عمله ، هذا الشخص في المقام الاول هو المخرج ( يقال أن الممثل هو من أخترع المخرج للقيام بهذه الوظيفة.

فالممثل سابق تاريخيا بزمن طويل علي المخرج ). ولكن المشكلة تكمن حين يكون هذا المخرج جاهلا او انطباعيا.

أو لا يهتم بالممثل او التمثيل ، وإنما بأمور أخري مثل جماليات الصورة وتكوين الكادر ، كما هو حال معظم مخرجينا هذه الأيام.

ويصبح شعار التمثيل مسئولية كل ممثل هو السائد ، مما يزيد من ورطة الممثل. يحتاج الممثل كذلك إلي رأي الجمهور والنقاد.

ولكن هؤلاء ليس لهم رأي واحد ، بل آراء مختلفة وأحيانا متناقضة تماما ، فبعضهم يحكم بانطباعه الشخصي او يجامل او ينافق ، خاصة إذا كان الممثل نجما معروفا ، كل هذا يضع الممثل في موقف لا يحسد عليه.

إن الممثل في أشد الحاجة لهذا الصوت الموضوعي الخارجي النزيه في تقييم عمله ، وعليه لتحقيق ذلك أن يحدد ما يسمي ( دائرة الثقة ).

وهي دائرة مكونة من بعض الأشخاص الذين يثق حقا في موضوعيتهم ونزاهتهم ، وكذلك وهو الاهم ، وعيهم وفهمهم للأداء التمثيلي وأساليبه المختلفة.

هؤلاء فقط هم من يجب أن يستمع الممثل إليهم بجدية واهتمام ، بالإضافة بالطبع إلي إحساسه الداخلي.

بهذا وذاك يستطيع الممثل فيما أري أن يستوعب الفارق بين تصوره عن نفسه وتصور الآخرين عنه ، بما يمكنه من تطوير عمله ، واستغلال موهبته الاستغلال الأمثل.

بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-