لاشك في أن العلاقة بين الممثل والمخرج هي علاقة شائكة ومعقدة فيما اري ، اذاً ما هي طبيعة العلاقة المفترضة بين الممثل والمخرج؟ فقد تكون علاقة انسجام وتوافق أحيانا ، وقد تكون صراع وتنافس خفي في أحيان اخري. من المعروف تاريخيا ان الممثل.
هو من أخترع المخرج ، فالممثل سابق زمنيا علي ظهور المخرج ، والمرجح أن السبب في ذلك هو حاجة الممثل إلي من يراه ويحكم علي عمله ، فهو لا يستطيع للأسف أن يري نفسه أثناء تمثيله .. ثم حدث أن صادر المخرج الأمر لحسابه الشخصي فيما بعد.
يحتاج الممثل من المخرج إلي التوجيه والإرشاد ، وهو أمر ليس سهلا ويتطلب درجة من الوعي بطبيعة عمل الممثل وخبرة نفسية وإنسانية عامة ، ولذا فهو مادة للدراسة في معاهد السينما في العالم. ( للاسف معظم مخرجينا الآن لا يجيدون ،
ولا أقول لا يعرفون ، معني واهمية توجيه الممثل ، حتي اصبح التمثيل مسئولية كل ممثل ). سوف أحاول الآن رصد الأشكال المختلفة لهذه العلاقة عن طريق
عرض بعض أقوال الممثلين والمخرجين الكبار
يقول أنتوني كوين : ” في السينما ، المخرج هو جمهورك ، لن تشعر بأنك أنجزت مهمتك بشكل جيد إلا إذا تيقنت بأنه سعيد بأدائك “
وتقول ليف اولمان : ” الثقة مهمة في العمل السينمائي ، الممثل الذي يشعر بالثقة والأمان والاطمئنان مع المخرج ، الذي بدوره يثق بالممثل ، سوف ينجز علي نحو أفضل مما لو كان يفتقد هذه العلاقة “
ويقول دي نيرو : ” المخرج الجيد هو الذي لا يفرض رأيه وتصوراته ، بل يصغي إليك إذا خطرت في ذهنك فكرة جديدة .. المخرجون أحيانا يشعرون بالخوف ، أو يخشون الانفتاح علي الممثلين ، أو يعتقدون بأنهم وحدهم يعرفون كل شئ “
ويقول أيضا: ” بعض المخرجين يعرفون القليل عن التمثيل ، ربما يمتلك المخرج قدرات جيدة ومعرفة تقنية في كيفية تحقيق الفيلم ، لكنه لا يفهم الممثلين ولا يحسن التعامل معهم “
ويقول كذلك : ” أسوأ ما في المخرج حين يخبرك كيف تنفذ مشهدا ما … “
هنري فوندا : ” قله من المخرجين في السينما قادرون علي تحقيق إتصال حقيقي بالممثل … “
وايضا ” لقد كرهت العمل مع المخرج فريتز لانج .. إنه فنان مبدع حقا لكنه لا يحترم الممثلين ولا يخطر بباله أن الممثلين كائنات بشرية ذات عواطف وأحاسيس … إنه بارع في تحريك الدمي … “
أنتوني هوبكنز : ” لا أستطيع أن أعمل في جو يسوده التوتر ، إنه كابوس ، إذا بدأ المخرج في الاهتياج والتوبيخ العنيف فإنني ببساطة أطلب منه أن يبحث عن ممثل آخر، لا احب ان أعمل مع أشخاص يتعاملون بقسوة معي او مع غيري “
نور الشريف : حكي لي نور الشريف رحمة الله عليه ، إنه كان علي خلاف حاد مع يوسف شاهين ، رحمة الله عليه أيضا ، أثناء تصوير فيلم حدوته مصرية ، فقد كان شاهين يريد منه أن يؤدي الدور بطريقته هو ، وهو ما يقع فيه أغلب الممثلين المتعاملين مع شاهين.
فمعظمهم يصبحون في النهاية نسخ مكررة منه ، ولكن كان الموقف هنا مختلف ، فالشخصية هي شخصية شاهين نفسه وكان من السهل علي نور ان يقلده ، وهو ما كان يريده شاهين تقريبا ، ولكن ما كان يهم نور هو الوصول الي روح الشخصية.
وهي موجودة امامه من لحم ودم ، وهو بالطبع أكثر صعوبة ولكنه أكثر عمقا ، وبعد صراعات ونقاشات طويله ، استطاع نور كما قال لي : الإفلات من قيود شاهين وتقديم الشخصية كما يريد.
احمد زكي : حكي لي احمد زكي ، رحمة الله عليه ، أنه كان علي خلاف دائم مع محمد خان رحمه الله ، وأنه كان يحس أحيانا أن خان : يكره الممثلين .. !!
محمود المليجي : سمعت ورأيت العملاق المليجي رحمه الله رحمة واسعة ، في أحد البرامج القديمة ، يشكو من أن بعض المخرجين ، لا يقومون بالجهد الكافي في توجيه الممثل ومساعدته في تقديم افضل ما لديه. تري ماذا كان موقفه الان ، لو تعامل مع معظم مخرجي ايامنا هذه .. !!! و من أقوال المخرجين :
يقول المخرج وليام وايلر : ” اني لا أفصح عما أريد من الممثل لأني لا احب أن يتأثر بما أقوله ، إني أتيح له فرصة استخدام كل إمكانياته كي لا يعتمد علي ، فأنا لا أستطيع تأدية المشهد نيابة عنه بل عليه أن يحس به ويؤديه “
ليندسي أندرسون : ” العمل مع الممثلين عبارة عن علاقة حميمة وحساسة في الوقت نفسه … اني لا أحاول أن افرض أفكاري علي الممثلين بل أحاول أن أحصل علي النتيجة النهائية بالتعاون معهم “
ستانلي كوبريك : ” بمعرفة المخرج لشخصية الممثل ، وتقديره لنقاط قوته ومواطن ضعفه ، يستطيع أن يساعده في التغلب علي معضلات معينة ، وفي أدراك امكانياته وقدراته . “
أورسون ويلز : ” إني امنح الممثلين مقدارا كبيرا من الحرية … لكن طريقتهم في الأداء تنبع مباشرة من تصوراتهم الخاصة ومن تصوراتي الخاصة أيضا بالدرجة نفسها . “
علي خلاف ذلك تماما نجد هيتشكوك : يدلي بتصريحات عن الممثلين واصفا إياهم بالقطيع .. لقد كتبوا الكثير عن علاقته بالممثلين وكيف أنه يستخدمهم كأدوات في افلامة.
جون فورد : ” هو لا يجري بروفات ولا يتحدث أبدا عن الأدوار ، إذا شرع الممثل في طرح سؤال حول المشهد ، فإن فورد كان يمزق أوراق السيناريو التي تحتوي علي ذلك المشهد ، أو يهين الممثل بطريقة شنيعة “
أما بولانسكي المخرج الشهير فيقول : ” .. لا أميل إلي الاقتراب كثيرا من الممثلين ، أو أن أكون ودودا معهم أكثر من اللازم ، دائما أحافظ علي مسافة بيننا ، أن أكون بعيدا عنهم … “
يوسف شاهين : قال لي الأستاذ كما كان معظم من حوله ينادونه ، وكانت بيننا نقاشات طويلة ، أنه يحب الممثلين كثيرا ، ويحب التعامل معهم وتوجيههم.
ومحاولة الغوص في اعماقهم ، حتي يظهر أفضل ما فيهم ، والحق انه كان كمنتج وكمخرج من أفضل ما رأيت اهتماما بالممثلين ورعاية لهم أثناء البروفات والتصوير.
والغريب أنه لم يعلق عندما قلت له ذات مره : انت ممثل ضل طريقة إلي الإخراج ، وضحك حين اضفت : وهذا من حسن حظنا بالطبع. وقال : تقصد ايه يا حمار ؟ المصدر كتاب ( الوجه والظل في التمثيل السينمائي ) لأمين صالح.
كيف يستطيع الممثل ان يستوعب الفارق بين تصوره عن نفسه وتصور الآخرين عنه ؟
بشكل عام لابد من التساؤل اولا عن ما هو معيار الإنسان في تقييم ذاته او تصوره عن نفسه ؟ لا شك اننا نسعي جميعا إلي محاولة تقييم ذواتنا ، وهناك ثلاثة مصادر ممكنة لهذا المعيار.
- الأول : وهو ان يعتمد الشخص علي تصوره الإيجابي عن نفسه ، بشكل شبه كامل ، ولا يعير تصور الآخرين عنه أي اهتمام ، بل يعتقد أن أي تصور سلبي عنه من قبل الآخر ، هو نتيجة حقد او غيرة ، هذا الشخص مصاب بالغرور او بجنون العظمة ،
- الثاني : وهو ان يعتمد الشخص بشكل أساسي علي تصور الآخرين عنه ، ولما كان هؤلاء مختلفون ، وأحيانا متناقضون ، أصبح هذا الشخص فاقدا للثقة في النفس ، مشوش ، مضطرب في تصوره عن ذاته ، وهو من يطلق عليه بشكل عام وغير علمي ( عديم الشخصية ) هو يري نفسه بشكل إيجابي ، إذا رأي الآخرين ذلك ، وسرعان ما يراها بشكل سلبي ، أيضا إذا رأي الآخرين ذلك .. هو بالطبع علي النقيض من الشخص الأول.
- الثالث : وهو ان يعتمد الشخص علي كلا التصورين معا ، تصوره عن نفسه سلبا وايجابا ، وايضا تصور الآخرين عنه ، سلبا وايجابا ، هذا الموقف يستلزم ان ينتقد الشخص تصوره عن نفسه إن كان مبالغا فيه ، وأن ينتقد كذلك تصور الاخرين عنه بأن يسأل من هو هذا الآخر وما هو هدفه.
وبالتالي الحكم ليس علي ما يقال ، سلبا او إيجابا ، وإنما أيضا علي من يقول ولماذا يقول. هذا هو التصور شبه الموضوعي عن الذات ، وهو ما يصعب تحقيقه بالفعل.
الأمر يصبح أكثر تعقيداً
إن ما سبق ينطبق بالطبع علي الممثل بكونه انسانا ، أما بكونه ممثلا ، فالأمر يصبح أكثر تعقيداً. إن أحد مشكلات الممثل الرئيسية هي أنه المبدع وخامة الإبداع في نفس الوقت ، هو العازف والآلة معا ، وبالتالي هو لا يستطيع أن يري نتيجة عمله أثناء تنفيذه.
هو يفتقد تلك الخطوة للخلف التي يقوم بها الرسام لتأمل لوحته ، صحيح أنه قد يشاهد عمله مسجلا بعد تنفيذه ولكنه للأسف لا يستطيع الحكم عليه بشكل موضوعي ، فهو دائما يعتقد أنه كان بإمكانه ان يقوم به علي نحو أفضل ، كما أن البعض لا يرغب ولا يحب أن يشاهد نفسه اصلا.
هو قد يثق في إحساسه الداخلي ، ولكنه غير كافي لأنه لا يستطيع أن يري الصورة الخارجية له ، أو كيف يبدو ، فقد تكون الصورة الخارجية غير موصلة او معبرة بشكل جيد عما هو بالداخل.
الممثل إذن يحتاج دائما إلي شخص أخر يفترض أمانته ، للحكم علي عمله ، هذا الشخص في المقام الاول هو المخرج ( يقال أن الممثل هو من أخترع المخرج للقيام بهذه الوظيفة ، فالممثل سابق تاريخيا بزمن طويل علي المخرج ). ولكن المشكلة تكمن حين يكون هذا المخرج جاهلا او انطباعيا.
أو لا يهتم بالممثل او التمثيل ، وإنما بأمور أخري مثل جماليات الصورة وتكوين الكادر ، كما هو حال معظم مخرجينا هذه الأيام ، ويصبح شعار التمثيل مسئولية كل ممثل هو السائد ، مما يزيد من ورطة الممثل. يحتاج الممثل كذلك إلي رأي الجمهور والنقاد.
ولكن هؤلاء ليس لهم رأي واحد ، بل آراء مختلفة وأحيانا متناقضة تماما ، فبعضهم يحكم بانطباعه الشخصي او يجامل او ينافق ، خاصة إذا كان الممثل نجما معروفا ، كل هذا يضع الممثل في موقف لا يحسد عليه.
إن الممثل في أشد الحاجة لهذا الصوت الموضوعي الخارجي النزيه في تقييم عمله ، وعليه لتحقيق ذلك أن يحدد ما يسمي ( دائرة الثقة ) وهي دائرة مكونة من بعض الأشخاص الذين يثق حقا في موضوعيتهم ونزاهتهم ، وكذلك وهو الاهم ، وعيهم وفهمهم للأداء التمثيلي وأساليبه المختلفة.
هؤلاء فقط هم من يجب أن يستمع الممثل إليهم بجدية واهتمام ، بالإضافة بالطبع إلي إحساسه الداخلي ، بهذا وذاك يستطيع الممثل فيما أري أن يستوعب الفارق بين تصوره عن نفسه وتصور الآخرين عنه ، بما يمكنه من تطوير عمله ، واستغلال موهبته الاستغلال الأمثل.
بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى 🎥