يعد عادل إمام ظاهرة لم تحدث من قبل في تاريخ التمثيل في مصر ، وربما في العالم ايضا ، وهي ظاهرة جديرة حقا بدراسة تفصيلية فيما يعرف بجماليات التلقي.
و كيف استطاع عادل إمام أن يظل نجماً أول؟ علي مدي نصف قرن تقريبا بداية يقال أن الوصول الي النجومية اسهل كثيرا من الاحتفاظ بها ، فالنجم في حالة صراع دائم مع الزمن.
وقد كان هذا فيما اعتقد ، صراع عادل إمام الأساسي علي مدي خمسين عاما. هناك مجموعة من الأسباب لظاهرة ، يمكن تقسيمها إلي : أسباب قدرية، وأسباب شخصية ، وأسباب تاريخية.
اولا الأسباب القدرية
وهي تحديدا ما يعرف بالكاريزما. ذكر الناقد طارق الشناوي ، ذات مره ، أن عادل إمام هو كاريزما تسير علي قدمين ، وهو قول صحيح إلي حد كبير.
بدأت هذه الكاريزما نوعية ، وفي نطاق الكوميديا فقط ، ثم سرعان ما أتسع مجالها لتشمل معظم الأشكال التمثيلية.
فقد استطاع عادل إمام تنمية كاريزمته واستغلالها الاستغلال الأمثل ، وذلك بتراكم الخبرة والوعي بكيفية توظيفها مسرحيا وسينمائيا وأيضا حياتيا بندرة الظهور الإعلامي.
وإبعاد حياته الشخصية عن دائرة الضوء ، وأخيرا بموافقته الضمنية علي لقب ( الزعيم ).
ثانيا أسباب شخصية
يتسم عادل إمام بالذكاء الحاد ، وهو تحديدا نوع من الذكاء العاطفي ، الذي مكنه من الاستشراف الصائب لما يريده الجمهور.
وهو هنا الجمهور العام وليس النخبة ، فالجمهور المثقف لم يكن في بال عادل إمام ، بل يمكن القول بأنه كان يكره الثقافة والمثقفين ، ويسخر منهم في افلامه.
بدليل موقفه من النقاد بشكل عام ، ومن المهرجانات السينمائية بشكل خاص. يتسم عادل إمام أيضا بالمرونة الذهنية والقدرة علي تغيير الاتجاه.
وتنفيذ ذلك عمليا ( وهي مشكلة بعض النجوم الحاليين ) لقد كان واعيا بأن عمر نجم الكوميديا قصير.
ولذا قرر أن يقدم ألوانا اخري ، مع العودة للكوميديا من حين لآخر لتأكيد مكانته فيها.
الا ان هذا كان يتم دائما في حدود ما أطلق عليه الدكتور مدحت الكاشف ( المنطقة الآمنة ) وهي منطقة الأمان الخاصة به كممثل.
فكان دائما يبدو بوضوح كعادل امام الممثل خلف جميع الشخصيات التي يقوم بأداءها.
فهو ممثل يستدعي الشخصية إليه ولا يذهب هو اليها ، لم يحاول عادل إمام الخروج من منطقته الآمنة هذه سوي في ثلاثة افلام فقط هي ( الأنس والجن و الحريف و عمارة يعقوبيان ) ثم سرعان ما تراجع.
فقد كان يعرف جيدا حدود وطبيعة امكانيانه الفنية وكيف يوظفها جيدا داخل نطاق منطقته الآمنة فقط.
كان رهانه الدائم علي شباك التذاكر ، فهو وحده مقياس النجاح ، لا الحصول علي جوائز ، ونصيبه منها لا يذكر ، ولذا كان يعتمد علي اكثر تيمات السينما نجاحا ( الصعود من اسفل درجات السلم الاجتماعي.
كوميديا الضرب ، الوقوف المحسوب والهزلي ضد السلطة ، الجنس والتلميحات الجنسية ، القبلات الساخنة لاجمل النجمات مما يوحي بالفحولة الجنسية ،
الافيهات اللفظية والسخرية الشديدة ممن هم ذوي مال او سلطة ، اللزمات التي يسهل علي الجمهور ترديدها فتصبح أشبه بالاقوال المأثورة.
كان عادل إمام ولا يزال يتحكم في كل العناصر الفنية للعمل الفني ، من كاتب ومخرج وممثلين ، لتوجيه الجميع ضمنيا ، فهو يعرف جيدا كيفية إعداد الطبخة الناجحة.
اتسم عادل إمام بالتأقلم مع المتغيرات ، لقد ظل ما يقرب من ثلاثين عاما رافضا بشدة أي عمل بالفيديو ، ولكنه وحين أحس بانحسار السينما عنه ، رضخ ولكن بشروطه هو ، وهو ما مكنه من الاستمرار.
ثالثا التاريخ او الظرف التاريخي
وهو يتمثل في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية في مصر والمنطقة العربية طوال الخمسين عاما الأخيرة.
وقد كان عادل إمام شديد الوعي بها. من الناحية الفنية ، بدأ عادل إمام والساحة الفنية شبه خالية تقريبا ، وذلك بأفول نجوم الكوميديا السابقين عليه.
أمثال فؤاد المهندس و محمد عوض و أمين الهنيدي. بدأ عادل إمام نجوميته مع الانفتاح الاقتصادي في مصر ، وقد افرز هذا الانفتاح نوعية مختلفة من الجمهور.
الصاعد من اسفل السلم الاجتماعي في سنوات قليلة ، وتغيرت معه صورة النجم من حيث المواصفات الشكلية.
فقد كان هذا الجمهور في معظمه من الحرفين والوسطاء الذين أصبحت حالتهم المادية متيسرة إلي حد كبير.
وقد مثل لهم عادل إمام بمواصفاته الشكلية نموذجا للاستشباه والتماهي ، في الصعود الطبقي ، وتحدي السلطة والسخرية منها ، والقوة الجسمية في التغلب علي الاشرار.
واخيرا في التمتع بعلاقات غرامية مع اجمل نجمات السينما في ذلك الوقت ، وغير ذلك. أما من الناحية السياسية فقد اتسمت هذه الفترة.
خاصة بعد وفاة السادات بالركود السياسي وانتشار الفساد ، وقد استغل عادل إمام ذلك بالاقتراب المحسوب من السلطة ونقدها نقدنا مستأنسا.
فكانت منفعة متبادلة ، هو ينتفع بهامش أكبر من حرية النقد ، لم يسمح به لغيره.
خاصة وقد اقترن نقده بالسخرية من الأغنياء ورجال الحكم الفاسدين في حدود المسموح به بالطبع ، والسلطة تنتفع بتخفيف او تنفيس الضغط الشعبي.
وبسقوط النظام بعد ثورة يناير فقد عادل إمام أحد الأعمدة الأساسية التي يستند عليها ، وفقد توازنه لفترة.
ولكن سرعان ما تأقلم واستمر ربما بالدفع الذاتي لما يمتلك من كاريزما وجماهيرية لا زلت عريضة حتي الآن..!!!
وأخيرا هل كان من الممكن لعادل إمام أن يصبح نجما بهذا الحجم ، لو أنه ولد وعاش في فترة تاريخية مختلفة؟ الإجابة: بالقطع لا.
بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى