الدنيا كلها تلعب دور الممثل. عبارة مكتوبة علي مسرح الجلوب مسرح شكسبير بلندن. ( ما الدنيا إلا مسرح كبير ، وما الرجال والنساء إلا ممثلون ). إلي أي مدي يمكن القول بأننا بالفعل نمثل في - حياتنا اليومية؟
شكسبير .. مسرحية كما تهواه. ( إن الممثل هو أقل الناس رياء ، لأنه هو وحده يعترف بأنه يمثل ) برنارد شو. في الحقيقة هناك عدة أشكال لما يمكن أن يسمي : التمثيل في الحياة اليومية. وفيما يلي توضيح محدد لهذه الأشكال :
اولا : التمثيل كأحد خصائص السلوك الاجتماعي
ليس بوسعنا كبشر ، نعيش في مجتمعات ، إلا أن نمثل وان نلعب ادوارا ، يقوم كل منا في حياته اليومية بعدد كبير من الأدوار ، توصف جميعها بأنها اجتماعية. بعضها قد يكون محددا بشكل رسمي او دقيق ، وبعضها الآخر قد يفتقد هذا التحديد وعلينا أن نحدده بأنفسنا :
دور الزوج او الزوجة او الصديق او الأب أو الأم ، أو الرئيس او المرؤس وغير ذلك الكثير. كل هذه الأدوار تتطلب منا تحديدا يتلاءم معها. ويحقق أهدافنا منها ، ويترك عنا انطباعا جيدا لدي الآخرين .. هي جميعا هامة وضرورية ، وتعد أحد مطالب الوضوح في العلاقات الاجتماعية.
إن معرفتنا بطبيعة الدور الذي علينا القيام به ، في مقابل الدور المفترض للآخر ، تساعدنا علي تحقيق أكبر قدر ممكن من الفاعلية في العلاقات الاجتماعية. ويؤدي الخلط بين هذه الأدوار إلي اضطراب هذه العلاقات وخللها، وبالتالي عدم التوافق النفسي والاجتماعي.
أن الذات الإنسانية ، أيا كانت يستحيل عرضها أو تقديمها كاملة ، وحتي إن أمكن ذلك ، فما الحاجة إليه. أن الدور الذي تلعبه مع الآخرين يختصر هذا العرض ويحدده. انا أقدم للآخر ما يريده مني ، وهو يقدم لي ما أريده منه ، وذلك في إطار الأدوار التي نلعبها معا. وبغير هذا الاختصار في العرض او بغير هذه الأدوار التي نلعبها معا ، يستحيل التعامل اليومي ، ويتعقد إلي درجة لا تحتمل.
ولكن ماذا اكون انا وسط مجموع ادواري هذه. هل لما يسمي ب ( ذاتي ) وجود في هذه الحالة ، وفي أي دور هي ، أم انها ليست أكثر من مجموع هذه الادوار؟ من الواضح أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال الشائك ، تخرج عن نطاق ما نحن فيه الآن.
ثانيا : التمثيل كمجاملة ونفاق وكذب
وهو شكل يختلف عن السابق من حيث انه مدان من الناحية الأخلاقية ، وهو بالطبع شكل مرفوض اجتماعيا. إن الإنسان في هذا الشكل لا يلعب دورا اجتماعيا. وإنما يقدم ذاته او حالته المزاجية او الشعورية بما يخالف حقيقته ، هو هنا يخفي حقيقة ما ، وبهدف نفعي في الغالب ، ويحاول جاهدا أن يكون مصدقا من قبل الآخر.
ويتراوح ما بين المجاملة البريئة والكذب والنفاق الصارخ ، ولهذا يتعلق هذا الشكل بعملية الاتصال. التي تسير في اتجاه واحد ، وليس بالبعد الاجتماعي الذي يسير في الاتجاهين. ويتفاوت البشر بالطبع في إجادة هذا الإخفاء.
ثالثا : التمثيل كنصب
يكاد النصاب ان يكون ممثلا بالفعل بالمعني الدقيق ، فهو يستخدم معظم آليات التمثيل ، ولكنه يفتقد ما يحدد التمثيل ( كفن ) وهي العرض لجمهور او كاميرا. وهو ما يتضمن بالضرورة الإتفاق وليس الخداع بين الممثل والمتلقي ، وكذلك تقنيات وحرفية هذا العرض كمهارة أدائية ، تتطلب استعدادا خاصا لاكتسابها.
هناك إذن فرق واضح بين أشكال ما يمكن ان يسمي ( التمثيل في الحياة اليومية ) وبين التمثيل ( كفن ) له قواعد وأصول تجعل منه فنا بالمعني العلمي والدقيق.
بقلم الأستاذ الدكتور / محمد عبد الهادى